البعد السياسي لأزمة الأمن في منطقة الساحل: ماهيته و تداعياته على بلدان المغرب العربي

إن الأزمة الأمنية السائدة اليوم في منطقة الساحل، و القمينة بأن تكون لها انعكاسات محسوسة على الأوضاع الأمنية في البلدان المغاربية، تشمل أبعادا : إثنية و سوسيوثقافية و اقتصادية و سياسية.
و البعد السياسي لهذه الأزمة، هو موضع اهتمامنا في هذا المقام. و مقاربتنا لهذا الجانب من الأزمة ، ترمي إلى استكناه ماهيته و استبطان جذوره التاريخية ، و إيضاح العوامل التي ساهمت في إيجاده و تعقيده و إعادة إنتاجه، مع تبيان تداعياته على الأوضاع الأمنية في بلدان المغرب العربي المتاخمة للفضاء الساحلي الصحراوي.
و ستتلمس هذه المقاربة كذلك ، الطريق الكفيل بالتعاطي مع هذا الجانب من الأزمة على الوجه الصحيح ، ضمن مناخ ملائم يتسم بالتفاهم و التوافق و الحوار وبناء الثقة بين الأطراف المعنية و المهتمة . و ذلك تفاديا للانسداد و المواجهة ، وسعيا إلى تخطي الخلافات و تجاوز التناقضات و روح العداء.
- ماهية البعد السياسي للأزمة و محدداته
تتمثل ماهية البعد السياسي للأزمة القائمة حاليا في منطقة الساحل ، في إحساس الطوارق و العرب في هذه المنطقة ، بالحيف و الظلم و الامتهان الذي طالهم من قبل الاستعمار الفرنسي، الذي لم يستسغ مقاومتهم المستميتة له و رفضهم الرضوخ لهيمنته.
و تتمثل ماهية هذا البعد أيضا ، في تجاهل الاستعمار لخصوصياتهم الإثنية و السوسيوثقافية و الحضارية و تقسيم مجالهم الحيوي بين دول تم إنشاؤها وفقا لمصالح المستعمر، و ذلك على أنقاض الفضاء المتصل الذي عاشوا ضمنه لقرون عديدة ، ثم تحويل سكان هذا الفضاء من عرب و طوارق- و الذي يناهز عددهم الأربع ملاين نسمة – تحويلهم إلى أقليات ضمن دول لم يستشاروا أصلا في إلحاقهم بها و حملهم على أن يصبحوا مواطنين بها.
فما كان منهم و الحالة هذه ، إلا أن رفضوا هذا الإدماج القسري في كيانات لا يشعرون بالتماهي معها و لا بالولاء لها ، ولا حتى بالمت إليها بأية صلة. و بدلا من أن تسعى الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال في كل من مالي و النيجر إلى استدراج الأقليات العربية و الطوارقية التي أ دمجت فيها قهرا، إلى التماهي مع الأوطان الجديدة التي أقحموا فيها رغم أنوفهم ، و بدلا من أن تساعدهم على الاندماج في النسيج الاجتماعي، والانخراط في النشاط الاقتصادي ، و الإسهام في الحياة السياسية و المؤسسية ، بدلا من كل ذلك مارست ضدهم التهميش و الإقصاء و حرمتهم من حقوقهم السياسية و الاجتماعية و الثقافية ، فأصبحوا يشكلون مواطنين من الدرجة الثانية.
فلم تراع خصوصيتهم الاجتماعية ولا هويتهم الثقافية، و لم يصر إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية . كما أنهم لم يشركوا في تسيير شؤون حياتهم اليومية و لا في صياغة مستقبل مناطقهم..
وقد تمت مواجهة امتعاض و تذمر الأقليات العربية و الطوارقية من هذه الوضعية في كلا البلدين ، و رفضهم للمهانة و الإقصاء ، تمت مواجهة ذلك بالعنف و والقهر و البطش . فقامت نتيجة لذلك ثورات متتابعة في كل من الدولتين، تم قمعها بمنتهى القسوة و الوحشية ، مما أدى إلى تشرد العديد من الطوارق و نزوحهم إلى البلدان المجاورة فرارا من الترويع و التنكيل و التقتيل.
و لما أتاحت لهم ثورات ما سمي بالربيع العربي ، اقتناء الأسلحة المتطورة و اكتساب الخبرات القتالية و تجميع الصفوف وتوحيد الأهداف حسب المستطاع، قرروا مجددا القيام بثورة مسلحة لتحقيق طموحهم الراسخ في التمتع بكل حقوقهم ضمن المناطق الخاصة بهم ، مستغلين هشاشة النظام السياسي بالنيجر ، و مستفيدين من تداعي الدولة المالية ، إثر الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس تماني توري.
وهدف هذه الثورة هو سياسي بامتياز. كونها ترمي إلى إقامة دولة مستقلة بمنطقة أزواد بالشمال المالي يتمتع فيها الطوارق و العرب بالحرية و الكرامة و إثبات الذات من خلال إبراز الهوية الثقافية و الخصوصية الحضارية. الشيء الذي حرموا منه منذ أن اجتاح الاستعمار الفرنسي مجالهم الحيوي و قطع أوصاله و حشرهم في كيانات لا يشعرون بالانتماء إليها و لا الارتباط بها.
- تداعيات البعد السياسي للأزمة على الأوضاع في البلدان المغاربية
إن البعد السياسي للأزمة القائمة بمنطقة الساحل لا يمكن إلا أن يكون له تأثير ووقع على تماسك وانسجام و تعايش مكونات النسيج الاجتماعي المتعدد الأعراق في البلدان المغاربية.
فانفصال إقليم أزواد عن دولة مالي و إنشاء كيان سياسي مستقل داخله ، على أساس عرقي و لاعتبارات إثنية ، قد يشكل سابقة خطيرة من شأنها أن تفضي ، إذا ما تكررت في بلدان مغاربية ، إلى تفكيك هذه البلدان و بلقنتها و إدخالها في دوامة من الصراعات و العنف و الاحتراب ، قد تقود في نهاية المطاف إلى تمزيقها و اضمحلالها.
كما أن تناقض الانتماءات الأيديولوجية و تصادم الو لاءات السياسية لمختلف فصائل الثوار في الشمال المالي ، تبعا لانتماءاتهم القبلية المختلفة و مرجعياتهم الفكرية المتباينة ، من شأنه أن يفضي هو الآ خر ، إلى الفرقة بين مكونات النسيج الاجتماعي لساكنة إقليم أزواد ، وهي ساكنة لها امتدادات ووشائج وطيدة داخل المجتمعات المغاربية المتاخمة للمنطقة.
يضاف إلى ذلك أن د عم المجتمعات المغاربية لمطالب الطوارق و العرب ، بصرف النظر عن وجاهة و عدالة هذه المطالب، سوف يخلق ردة فعل عدائية داخل المجتمعات الزنجية في البلدان الساحلية . مما قد يؤثر على علاقات التعاون و التكامل الاقتصادي و التو اشج الاجتماعي و الترابط الديني بين المجتمعات الساحلية الصحراوية والمجتمعات المغاربية المصاقبة لها.
ناهيك عما قد يكون لذلك من تداعيات سياسية على العلاقات بين دول بلدان الساحل و دول المغرب العربي . بل و بين العرب و الأفارقة على وجه العموم .
و من هنا يتضح أن من شأن الأزمة الحالية بمنطقة الساحل ، أن تكون لها تداعيات سياسية ذات تأثير كبير على دول المغرب العربي .
و عليه فإنه يلزم العمل الجاد من أجل التعامل بحكمة و تبصر مع هذه التداعيات تفاديا لما قد ينجر عنها من أضرار و درءا لما قد تستتبعه من أخطار.
- كيفية التعاطي مع البعد السياسي للأزمة
ينبغي في تصورنا ، أن لا ينظر إلى التعامل مع الأزمة القائمة بمنطقة الساحل، على أنها خيار صعب و أحادي الجانب يتمثل إما في دعم المطالب المشروعة للعرب و الطوارق في كل من مالي و ألنيجر مع تجاهل حرص هذين البلدين المشروع على الحفاظ على وحدتهما الترابية و بسط سيادتهما على كل أراضيهما ،و إما في مساندة إرادة هاتين الدولتين في الحفاظ على وحدتهما الوطنية مع التغاضي عن الحقوق المشروعة و العادلة التي يطالب بها العرب و الطوارق في منا طق تواجدهم في كلا البلدين.
الوقع أن ثمة حلا وسطا من شانه إرضاء كل الأطراف ، و أخذ هواجسها و اهتماماتها في الحسبان. و يتمثل هذا الحل في التوصل عبر الحوار البناء و المسئول، إلى صيغ توافقية تكفل للعرب و الطوارق حقوقهم في اعتبار هويتهم و احترام خصوصيتهم السوسيو ثقافية ، و مساهمتهم الكاملة في تسيير شؤونهم ، من خلال نفاذهم إلى مراكز صنع القرار، وصولا الى المشاركة الفعلية في صياغة مصيرهم و في تحديد ملامح الحياة السياسية و الاقتصادية و المؤسسية في مناطقهم .
هذا مع الحفاظ على الوحدة الترابية للبلدين المعنيين و الإبقاء على سيادتهما الوطنية و سلامة حدودهما.
و لعل الصيغة الكفيلة بمراعاة هذه الشروط بخصوص إقليم أزواد ، هي العمل بشكل توافقي على إقامة حكم ذاتي في ذلك الإقليم ، يتمتع فيه السكان بالحق في تولي تدبير شؤونهم و تنظيم مختلف أوجه حياتهم في إطار دولة واحدة و موحدة تبسط سيادتها على كل أراضيها.
و لا شك أن القيام باستثمارات واسعة في هذه المناطق تستهدف إقامة البنى التحتية الأساسية ، من مستشفيات و مدارس و منشآت اقتصادية و اجتماعية ، و العمل الجاد على زيادة فرص العمل و تقليص البطالة ، و السعي الحثيث إلى إعادة تأهيل و تطوير التراث الثقافي و الفني لساكنة الإقليم، إضافة إلى العمل الممنهج للتوعية و التثقيف و التحسيس بأهمية و جدواء ية التعايش و التكامل ، لا شك أن كل ذلك خليق في رأينا بإيجاد الشعور بالرضا و بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة ، كما أنه كفيل في اعتقادنا بتشجيع النزوع إلى الهدوء و الدعة ، و محفز على صيانة السلم الاجتماعي وتقوية إرادة التعايش و التآلف و الانسجام بين كل الفرقاء.
نواكشوط 7 نونبر 2013.َ
- محمد الأمين ولد الكتاب
La dimension politique de la crise sécuritaire dans la sous-région Soudano-sahélienne et son impacte sur les pays du Maghreb
(Résumé du papier élaboré par Mouhamed Lemine Ould EL KETTAB)
Ce papier s’intéresse principalement à la dimension politique de la crise sécuritaire qui prévaut actuellement dans la zone Soudano-Sahélienne et aux retombées diverses que cette dimension peut avoir sur les pays Maghrébins .
Il s’attache en particulier à mettre en évidence les tenants et les aboutissants de la dimension politique de la crise, fait ressortir les divers facteurs qui sont à la base de la crise, met en exergue les répercussions possibles de la crise sur les pays Maghrébins contigus à la zone Soudano- sahélienne et préconise des voies et moyens jugés susceptibles de permettre la résomption et, à terme, le dépassement de la crise qui menace, au demeurant, la sécurité et la stabilité dans la sous région et au-delà.