ضرورة الحوار الحضاري بين مختلف الفرقاء السياسيين في الفضاء المغاربي

إن الشعوب العربية بمافيها الشعوب المغاربية رغم ما تمتاز به من نتنوع عرقي و تعددية مذهبية . و رغم ما ينطوي عليه الدين الذي تعتنقه من انفتاح و تسامح،فإنها لم تتمكن بعد من التملص من عقلية التضييق و ثقافة الشمولية التين تنزعان بحكم طبيعتهما إلى فرض الأحادية في المجالات الفكرية و السياسية و المؤسسية و العقدية.
و لعل مرد ذلك إلى ذهنية الأبوية و الذكورية و ما يواكبها من سلطوية و ميل إلى الاستبداد ،هذا فضلا عن التقهقر الفكري و التخلف الاجتماعي و التحجر المؤسسي الناجم عن فترات الاستعمار الطويلة التي عرفتها هذه الشعوب على مدى أحقاب طويلة من الزمن من جهة و إلى تفشي الأمية و ضعف الوعي المدني من جهة أخرى,
ربما تكون هذه هي العوامل الأساسية الكامنة وراء ما نراه بين الفينة و الأخرى من مظاهر التزمت و تجليات التشدد على مختلف الصعد، السياسية و الاجتماعية و الفكرية و الدينية في المنطقة المغاربية, وفي هذا الإطار تتنزل الاضطرابات العنيفة التي شهدتها تونس مؤخرا على إثر عرض فيلم برسيبولس الإيراني في إحدى دور السينما في العاصمة التونسية,
إن هد\كذا عقلية و المسلكيات المتراكمة المواكبة لها لا يمكن أن تختفي من تلقاء نفسها أو تزول لوحدها, بل لا بد من العمل الدءوب و الممنهج لمعالجتها و التخلص منها. علما أن ذلك يتطلب مقاربة متعددة الجوانب و الأبعاد و طويلة المدى تتمثل في : القضاء على الأمية وتعميم التعليم و تعميق الوعي المدني و توطيد ثقافة المواطنة و العمل على تأمين التأطير السياسي و الجمعوي من خلال الارتقاء بالقدرات المؤسسية للأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني و الشركاء الاجتماعيين و كافة الفاعلين النشطين على المشهد الوطني.
هذا العمل التربوي و التوجيهي و التكويني الذي يلزم القيام به في الحيز المغاربي تعود مسؤولية الاضطلاع به بالدرجة الأولى إلى الحكومات المغاربية وذلك وصولا إلى عقلنة و توطيد دور الأحزاب السياسية في تأطير المواطنين و سعيا إلى تفعيل دور المجتمع المدني و إشراكه في تدبير الشأن العام و في بلورة ثقافة مواطنية واعية تقاوم التزمت و الأحادية الفكرية و الإقصاء و العنف بمختلف تجلياته،ثقافة تقبل التنوع و تؤمن بضرورة و حتمية التعددية الفكرية و الاختلاف في الفلسفات و العقائد و المقاربات و الرؤى.
ولعل أنجع سبيل لإشاعة و ترسيخ هذه الذهنية هو استعمال وسائل الإعلام بمختلف أنواعها و كذا مختلف المنابر المتاحة من دينية و أكاديمية و سياسية و جمعوية و غيرها. و لا ريب أن تثبيت دعائم هكذا ثقافة خليق بتوفير المناخ الملائم للتسامح و القبول بالآخر و التعايش السلمي بين مكونات المجتمع المختلفة كما يشكل الأرضية المناسبة للانسجام و التوافق و السلم الاجتماعي و يؤمن بالتالي إجراء كل الاستحقاقات الانتخابية التي تستلزمها اللعبة الديمقراطية ضمن ظروف هادئة و سلمية و حضارية تكفل الطمأنينة و الاستقرار للجميع.