وجود الثقافة الديمقراطية، شرط أساسي لقيام نظام ديمقراطي حقيقي

عرفت المجتمعات البشرية منذ أن تمكنت من تخطي أساليب العيش المستمدة من قانون الغاب ، و ما يتصل به من عنف و مغالبة ، عرفت تدريجيا نمطي عيش مختلفين على الصعد الاقتصادية و الاجتماعية و المؤسسية. ألا و هما : النظام الاستبدادي التحكمي و النظام الديمقراطي المنفتح أمام مشاركة كل مكونات المجتمع في تسيير الشأن العام .
ولكل من النظامين مواصفات تسمه ، و ممارسات و مسلكيات تميزه. و له ثقافة تمهد له و و ترسخ أسسه و تسمح باعادة انتاجه. و تتمثل هذه الثقافة في مجموعة من المبادئ و المفاهيم و الرؤى و المعتقدات ، اضافة الى منظومة من القيم الاجتماعية و المثل الأخلاقية و الفلسفية تشكل مرجعية محددة للخيارات و المواقف و المسلكيات التي يستأنس بها المجتمع في التعاطي مع كل اوجه الحياة داخله.
فالنظام الاستبدادي في مختلف تجلياته يقوم أساسا على الحيف و الأنانية و التغول و الاقصاء. وهو بذلك يخلق الفوارق الاقتصادية و يكرس التراتبية الاجتماعية و ينزع الى الحيلولة دون قيام المساواة بين مختلف طبقات و فيئات و شرائح المجتمع . كما يعرقل اشاعة العدالة بين شتى المكونات الاجتماعية .
وهذا ما خلق نزوعا ملحوظا لدى جل المجتمعات لتغيير ذلكم النظام بنظام أكثر عدالة و مقبولية لدى الطبقات الشعبية ، و على وجه الخصوص الطبقات الهشة و المهمشة. و هذا االنظام هو ما بات اليوم يعرف بالنظام الديمقراطي . وقد أظهرت التجربة أن هكذا نظام لا يأتي من فراغ و لا على نحو تلقائي . بل لا بد من أجل استنباته و نموه من أرضية ملائمة تتمثل في سياق اجتماعي و مناخ سيكولوجي و فكري مواتيين. حيث أن قيام النسق الديمقراطي يتطلب بيئة معينة و يستلزم ثقافة و ذهنية محددتين . فالديمقراطية لكي تنمو و تتطور و تتجذر في أي مجتمع ، لا بد لهذا المجتمع أن يتوفر على قدر كبير من الوعي و الارتقاء الفكري و المدني ، يمكنه من تخطي العقليات البدائية المتخلفة المتمثلة في الانغلاق و التزمت و التشبث بالقبلية و الاقطاعية و التقوقع داحل شرنقة الشرائحية و الفيئوية البدائية ، و لا بد أيضا من تجاوز العنصرية و التخلي عن عقلية الذكورية المفرطة التي تتجسد في النظر الى المراة بدونية ليس لها من مبرر على الاطلاق. و من مقومات الثقافة الديموقراطية كذلك ، تأصل روح المواطنة و الاحساس بضرورة اشاعة العدالة و المساواة و تأمين تكافء الفرص أمام كل المواطنين.
كما أن من المبادئ المحورية التي ينبني عليها النظام الديمقراطي :
- على المستوى الفردي ، حرية الراي و التعبير و حرية المعتقد و
التفكير .
- وعلى المستوى السياسي : صيانة الرأي و الراي الآخر و ضمان التعددية و حق الاختلاف في كل مجالات الحياة.
- و على المستوى السياسي : وجود التعددية الحزبية
- § تكريس مبدأ التداول السلمي على السلطة عبر صناديق الاقتراع بطرق نزيهة و عادلة و شفافة .
- فصل السلطات و علوية القانون ، اضافة الى صيانة حرية الصحافة.
هذه أساسا هي المثل و المبادئ و القيم الاقتصادية و الاجتماعية و الأخلاقية التي تشكل سدى و لحمة الثقافة الديمقراطية و التي يتعذر بدونها اقامة ديمقراطية حقيقية تفي بالأغراض المنوطة بها و تتيح بلوغ الأهداف المتوخاة منها.